معلومات عن الكتاب :
يثبت الكاتب البرازيلي باولو كويليو، في روايته الجديدة ساحرة بورتوبيللو انه بإمكانه أن يتجدد وان يقدم ما يمكن أن يوسع من رقعة عالمه الروائي، مؤكدا بإثباته هذا انه بإمكان الكاتب الروائي، إذا ما أراد، أن يتجدد، وان يخرج عن الإطار الذي قبع فيه، فقبله وتقبله بالتالي معظم القراء.
رواية كويليو الصادرة مؤخرا، باللغة العربية أيضا، لا تشذ كثيرا عن سواها من روايات صاحبها، فهي تحاول أن ترتاد مناطق أخري من قوة الروح الإنسانية، عبر تناولها لامرأة تدعي شيرين، وتطلق علي نفسها اسم اثينة ـ ربة الحكمة لدي اليونانيين القدماء، هذه المرأة تنتمي إلي أصل غجري. ولدت في رومانيا، وتبنتها عائلة لبنانية. تعمل في مصرف ومساحة تجوالها تطال بلدانا عديدة منها بريطانيا، وعاصمتها لندن تحديدا، حيث تقتل بعد ممارستها لعبادة الشيطان، في شارع بورتوبيللو هناك، وبعد استقطابها لأعداد وفيرة من المريدين المؤمنين بها وبقدرتها علي الاستشراف.
الجديد في الرواية هو طريقة التناول، التي اتبعها كويليو في كتابته لها، فقد جعلنا، نحن القراء، نطلع علي حياة شيرين أولا بأول عبر شهادات يقدمها أناس عرفوها أو ارتبطوا بها بصلة الصداقة أو القرابة، ويبدع كويليو حينما يصور تلك المرأة الغائبة الحاضرة، لا سيما حينما يجعلنا نراها عبر وجهات نظر متعددة، إلا وجهة نظرها هي. نحن بهذا نلتقي في صفحات الرواية التي نافت عن المئتين والسبعين، بعدد كبير من المحيطين بها، وننظر إليها عبر عيونهم.
ما نعرفه من شهادات هؤلاء يكشف رويدا رويدا عن أبعاد شخصية تلك المرأة، شيرين، وهي في العشرينيات من عمرها، ارتبطت بعلاقة صداقة مع صحافي، ابتدأتها بأنها أخبرته بأنها مرتبطة بآخر من رجال الأمن، وذلك كما يتردد، لإبعاده عنها مؤقتا، وربما لتعيش بأمان إلي جانب ابنها، غير أن ما يحصل، هو أنها توصل إلي ذلك الصحافي (هيرن) الذي بهر بها. إنها تحبه بطريقتها الخاصة، تقول: إنها تحبه ليس بالطريقة التي يرغب فيها الجزء الإنساني منه، بل بالطريقة التي تريدها الشرارة الإلهية. وتضيف اثينة مخاطبة الصحافي هيرن: إننا نسكن الخيمة ذاتها، التي وضعتها هي علي دربنا. هناك نفهم أننا لسنا عبدة شيطان لمشاعرنا، بل إننا سادتها، إننا نخدم ونُخدم، نفتح أبواب غرفنا ونتعانق.(ص270).
وتعّرف أثينة روح الحب قائلة: الحب هو روح الأم الكبري ودمها ولحمها. وتعلن لمن أحبته أنها إنما أحبته كما تحب إحدي الأرواح المنفية نظيرتها حين التقاء الروحين في صحراء.
إن الطريق التي تقطعها اثينة، تبدأ بتعرفها علي عالم الرقص، عبر تركيزها علي سرتها، طريق المندالة، وتتطور مسيرتها إلي أن تتحول إلي تجمعات لأعداد كبيرة من الراقصين يلتقون في مكان ما، وليكن مستودعا في شارع بورتوبيللو، يؤدون فيها رقصا جمعيا، يتبعه تضرع جماعي إلي كيان يعرف بـ آيا صوفيا يتيح للمشاركين طرح الأسئلة، وينتهي الاحتفال بعظة وصلاة جماعية لـ الأم الكبري ، مصدر المحبة.
الرواية تبدأ من الكلمات الأولي باطلاعنا علي أننا سنتعرف إلي امرأة قتلت، إلا أننا سرعان ما نندمج في أجوائها وننطلق في رحلة مرافقتنا لهذه المرأة الغجرية المثيرة، نتعرف عليها رويدا رويدا، كما نتعرف علي ابنها، ابن الثماني سنوات، وما سيؤديه وجوده إلي جانبها من استغلال آخرين لحرمانها منه، بادعاء انه لا يجوز لطفل في مثل عمره أن يستمع إلي مثل ما يستمع إليه، أثناء الحفلات الراقصة التي تقيمها أمه.
كويليو في هذه الرواية يواصل عبثه في فتيل الحياة، ليكشف عن الطاقة الكامنة في داخل الإنسان، وليبين كيف تتحرك هذه الطاقة بموجه وبدون موجه في الآن.
هذه الرواية، باختصار، لا تشذ عن فحوي العالم الذي شرع كويليو في بنائه، ابتداء من روايته الحج إلي كومبسيلو، مرورا بإحدي عشرة دقيقة، والكيميائي، انتهاء بالزهير، فهي تحاول أن تقدم بعدا آخر للثراء الروحي للإنسان، وإذا كان من اختلاف بينها وبين سابقاتها، فانه يتمثل في التعدد الثري في الأصوات الروائية، ما يمنحها صفة الائتلاف والاختلاف في الآن، ولعمري فان هذا ما يميز الإبداع عن الهذر.** منشورة بالقدس العربي اللندنية 2 يوليو 2007
ارسال تعليق
التعليقات : 0
إرسال تعليق